المجتمع الدرزي بين تحديات العصر والرؤيا المستقبلية
بقلم: د. رضوان منصور
يخوض المجتمع الدرزي في إسرائيل فترة عصيبة بين تخبط واهتزاز داخلي وبين تحديات خارجية تُهدد كيانه، فمن جهةٍ تواجده في فترة انتقالية من مجتمع تقليدي الى مجتمع عصري او شبه عصري على ابعاده الانتقالية والمستجدات التي ترافقه على الصعيد الاجتماعي، الاقتصادي وغيره الى جانب تحديات داخلية تُضعضع الروابط الاجتماعية ولحمتها بما في ذلك الأُسرية.
إن سيرورة قوانين الطبيعة تُحتم تعبئة كل فراغ, حيث انه لا يُمكن وجود أي فراغ دون احتواء ما وعليه فإن الامور الحتمية والمصيرية التي يجابهها افراد الطائفة المعروفية والتي يعانون منها, سيما التي ما زالت عالقة دون حلول مثل قانون القومية, أزمة السكن, قانون كامِنتس, التدني بنسبة الالتحاق بالمعاهد العليا والتعليم العالي, التدني المُقلق بنسبة الولادة في الاسرة النواتية المعروفية, الهجرة الزاحفة الى المدينة, طمس الهوية المعروفية والانصهار بمجتمعات اخرى, الى جانب غياب قيادة في جعبتها تفكير منهجي مدروس على الصعيد الاجتماعي اضافة الى شبه انعداميه برامج وخطط تطويرية وبناء فعلي لأحياء جديدة في القرى المعروفية, قلة التوعية التوحيدية والتي تشد اليها فراغ عقائدي وقيمي, اضافةً الى عدم المُبالاة وغياب الوعي الكافٍ, قلة فهم عمق المسارات الاجتماعية وضبابية الرؤية المستقبلية الجماعية لدى الجيل الصاعد.
من ضمن التحديات الداخلية هو تفشي الاجرام في الشارع المعروفي على إثر الفراغ العقائدي والقيمي واستقطابه رُغم ان الطائفة المعروفية قد تحلت عبر السنين بأسمى وأنبل القيم الاجتماعية، سيما حفظ الاخوان، محبة الانسان لأخيه الانسان، تقديس الحياة التي وهبها الباري وله وحده الشأن في اخذها متى يشاء، دون ان يُنوب عنه نائب، او ان يقوم احدٌ بجرم ما باسمه او بوحي او الهام وكأنه من الباري، فالباري هو الواحد الاحد الذي يحيي ويميت.
والمرحلة الانتقالية تجلب معها توتر وصراع ضبابي بين الاجيال فالشارع المعروفي في مرحلة من الشبابية، وغالبية الشرائح الاجتماعية به، من دون جيل 45 سنة والتي سلم اهتمامهم، القيم التي توجههم وسلوكياتهم شبابية بكل ما للكلمة من معناً، تختلف كلياً مما يحمله وتبته شريحة البالغين والمتدينين. كما وتربية الاولاد والوالدية ككل في المجتمع المعروفي، تجد لها منافسين يصعب التغلب عليهم في هذا العصر، وعليه فان هناك تراجع في القيام بمهمتهم الوظائفية وبالتالي نجد لهذا تأثيراً مباشراً على التربية وعلى السلوكيات اليومية.
على الساحة الطائفية لا تتواجد أُطر ادارية، مؤسسات وقيادات تبحث، تدير وترعى شؤون الطائفة، مستقبلها، توجهاتها ومساراتها المستقبلية كما هو الحال في المجلس المذهبي، بدلاً من السعي لإطفاء حرائق مُشعلة في الدرب. اين البحوث العلمية واين تمويلها حول الامور العالقة مثل الهوية المعروفية، سلم الانتماءات، الزواج والطلاق في المجتمع، الولادة وخصوبة المرأة المعروفية، هجرة الشباب من مجتمعهم، التعليم العالي، مواضيعه وترسيخه، مصادر المعيشة والبطالة…
بالمقابل تخوض الطائفة المعروفية تحديات خارجية خانقة تضع ابناء وبنات الطائفة في جيّز سجن إدراكي وحسي دون جدران، يتباهى السجّان بها بحجة انه يقوم بتجسيد تنظيم اداري حضاري في المجتمع المحلي وعلى حيّز الطائفة، الا انه يُخفي نواياه الحقيقية التي تمس في الوجود والكيان الطائفي.
فمن فحص المُعطيات يتبين ان 64% من الاراضي التي كانت ضمن حدود وخرائط هيكلية القرى الدرزية قد تم مصادرتها منذ سنة 1949. بالمقابل سياسات حكومات اسرائيل لم تعِ اهتمامًا كافيًا لموضوع المُلكية الشخصية للأراضي واوجدت اعذراً واسبابًا بهيئة لجان وبسن قوانين مُجحفة كي تضع يدها على الاراضي ذات طابع المُلكية الشخصية، ثم وضعتها في حيّز اراضي البارك والقسم الاخر أُدخل الى مخزون اراضي اسرائيل ثم قاموا بتوزيع قسم منها الى مُسطحات مدن، قُرى تعاونية وكِبوتسات يهودية.
وبما ان مؤسسات الدولة لا تعلم ولا تريد ان تعلم كيفية التعامل السليم مع الاراضي التي ضمن المُلكية الشخصية، فقد ابت الا ان تخطط عليها وكأنها اراضي دولة، توحد فيما بينها وتُقسم كيفما تشاء وكأنها صاحبة المُلكية، تفرض على 30% من الملكية الشخصية ان تكون ضمن المسطحات التابعة للخدمات الجماهيرية من مؤسسات وبنية تحتية، بدلًا من ان تجد حلولًا للمسطحات العامة على حساب اراضي الدولة بآلية او بأخرى محاولة الا تعيد اسلوب سلب الارض مرة اخرى بحلة اخرى.
في ظل هذا الواقع المُر يبقى المواطن في القُرى المعروفية في ازمة سكنية حتمية لها ابعاد مصيرية كارثية وتبقى مؤسسات حكومات اسرائيل بتغاضيها عن حق السكن ومكانته في الحقوق الطبيعية وفي المعاهدات الدولية والعالمية، متناسيةً بان حق السكن هو الحق بالأمن والامان، الحق بالخصوصيات والحق في الاستقرار.
في هذا الوضع تلجأ الازواج الشابة عنوةً ومن اجل ايجاد حل لبناء بيت وعائلة، تلجأ الى السكن مع اهلها في اجزاء من بيت الوالدين، الا ان هذا الحل يحمل معه اشكالات وصراعات عائلية في الاسرة الواحدة والنتيجة هي فك الشمل بها او تفكيك المبنى الاُسري مما يزيد حالات الطلاق في المجتمع المعروفي.
وابعاد قانون كامينتس غير العشوائي، تُحتم غطاء قانوني لفرض غرامات كبيرة على الازواج الشابة، غرامات يصعب عليهم تحملها او تؤدي الى هدم بيتهم والنتيجة الاولى هي “تفقير” الازواج الشابة وتفاقم معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية مما يؤدي الى اشكالات اجتماعية في الاسرة الشابة والى سبب اخر لتفكيك الاسرة الشابة التي ما لبثت ان شقت طريقها معًا.
ويحمل الفقر الاقتصادي الاجتماعي معه عبئًا كبيرًا وله بُعد كارثي اخر، فمن يبني دون ترخيص ويصل الى القضاء، يُفرض عليه اضافةً الى العبء الاقتصادي والغرامات، سجل جنائي يُعيق عيشة مَن فُرض عليه ويمنعه من مجالات عمل كما هي متاحة لبقية المواطنين، حيث انه يوضع في خانة المخالف للقانون وفاعل الجرم. رغم ان كل همه هو بناء بيت في ارضه وملكيته والعيش بكرامة. بينما قانون كامينتس يضعه في هذه المكانة رغمًا عن ارادته ودون ان تكون لديه اية امكانية اخرى. فالتقصير في احتواء ارضه ضمن منطقة العمار وفي نفوذ السلطة المحلية على الاغلب ناجم من مؤسسات حكومية وأذرعها، سيما اللجان اللوائية.
بعض الازواج الشابة وكي لا تخوض هذه التجربة المُرّة المفروضة على مواطني القرى، يختار هجرة القرية الى المدينة تفاديًا لعقبات واشكالات القرى المعروفية الا ان هذا السكن قد يجر اياه ويصل بالأزواج الشابة وبنسلهم الى انحلال عقائدي والى انصهار اجتماعي بما في ذلك فقدان الهوية المعروفية.
ثم يأتي قانون القومية كي يُصادر الهوية الاسرائيلية من الدروز ويضعها في مواقع المُفارقة دون مساواتهم بالمواطنين اليهود في اسرائيل. والنتيجة تُحتم نظام ديمقراطي في الشارع اليهودي ونظام اخر غير ديمقراطي لغير اليهود، وبعيد كل البعد عن مبادئه سيما عن مبدأ المساواة والذي هو لُب وماهية الديمقراطية بكامل اشكالها، في الحقوق والواجبات، في فرص العمل، في التنظيم، التظاهر وفي ابداء الرأي وغيرهم.
وتتعامل الحكومات الاسرائيلية مع السلطات المحلية بنهج الازدواجية، حيث ترصد شبه ميزانيات حكومية معدة للسلطات المحلية، الا ان الاسلوب الاداري المؤسساتي سيما البيروقراطية الاسرائيلية تُعيق وتأخر صرف الميزانيات، فيدٌ “تُعطي” وتتدعي وجود الميزانيات المخصصة واليد الاخرى تمنع صرفها الى حين اعادتها الى ميزانية الدولة من جديد وكأن السلطات الدرزية هي التي لا تستغل الميزانيات.
بناءً على التحديات الداخلية والخارجية الانفة وغيرها فقد بادر القائم على منتدى الصحافيين الدروز في اسرائيل السيد كمال عدوان والذي يعي اهتمامًا كبيراً لما تخوضه الطائفة الدرزية على صعيد دولة اسرائيل والشرق الأوسط ككل، بإقامة يوم دراسي بعنوان: المجتمع الدرزي في اسرائيل بين تحديات الحاضر وامال الاجيال الشابة. مكان اليوم الدراسي، قاعة هخت بجامعة حيفا وموعد اقامته يوم الثلاثاء 2 من نوفيمبر – تشرين ثاني 2021, بين الساعات 09:00-16:30. يتخلل هذا اليوم اربعة مقاعد رئيسة: الدروز والدولة الحديثة، الثقافة السياسية في المجتمع الدرزي، تحولات وتحديات في المبنى الاسري، وصراع الاجيال في الطائفة الدرزية.
يشترك في اقامة اليوم الدراسي مشكورين، كل من معهد والتر ليباخ لأبحاث التعايش اليهودي- العربي في جامعة تل ابيب، المركز اليهودي العربي في جامعة حيفا، مركز التراث الدرزي في اسرائيل ومنتدى الصحافيين الدروز في اسرائيل. ومما لا شك به ان التعاضد, التعاون والمشاركة بهذا النهج السليم هم اساس النجاح والنجاعة, من هنا اشد على ايادي القائمين والعاملين والمبادرين لإقامة هذا المشروع النير وندعو الى المزيد من هذه الدراسات والى استخلاص العبر, الخطط وبرامج عمل تعود بالفائدة وتخدم المجتمع.