فرص التعافي وتحديات المستقبل
بقلم: غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية
بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت الأميركية، الذي استبق خطر ظهور وباء كورونا العام 2015، حذَّر من أن الوباء المقبل قد يكون أسوأ بعشر مرات، مؤكداً على ضرورة التعاون الدولي لتطوير اللقاح بين العلماء والشركات والمنظمات الدولية والحكومات، داعياً العالم للإستعداد الفوري للتعامل مع التهديدات المرتبطة بالإرهاب البيولوجي، وقدرة بعض الدول على إستخدام هجمات بيولوجية وأعمال عدائية للتأثير على الخصم، حيث ستكون الأوبئة المصنّعة أكثر فتكاً من الأوبئة والجوائح الطبيعية ويمكن أن تكلّف خسائر أفدح ممّا تخلّفه القنابل النووية. وبحسب غيتس، فإن نسب الضحايا الذين يسقطون بسبب التغيّر المناخي كل عام، سيتجاوز معدلات الوفيات المرتقبة من جائحة كورونا، وعلى الحكومات والأفراد أن يأخذوا بعين الإعتبار أن الإستهلاك المفرط للموارد الطبيعية والحيوانية سيؤدي إلى خلل وقد تنقلب آثاره بشكل سيء على البشرية.
أشرنا في مقالات سابقة إلى تأثيرات هذه الجائحة على الإقتصاد العالمي بمعناه الواسع، كما واقع الشركات وتفاعلاتها معها، إضافة إلى تداعياتها الإجتماعية والحياتية ومعدلات الفقر التي خلّفتها… لكن من المفيد التطرق إلى آخر الأرقام التي أدت إليها هذه الجائحة نهاية العام الماضي.
أشار معهد التمويل الدولي إلى أن ديون الحكومات والشركات والأسر قد ارتفعت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة نهاية العام 2020، بحيث بلغت 281 تريليون دولار، أي ما يعادل 355% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 24 تريليون دولار عن العام 2019. واضاف المعهد أن العالم لا يملك أي خيارات سوى إستمرار الإقتراض العام الحالي، مع إستمرار تداعيات الوباء وإنخفاض معدلات الفوائد. وفي اعتقادنا أن الحكومات التي تشهد عجزاً كبيراً في الموازنة ستقوم بزيادة ديونها هذا العام بنحو 10 تريليونات دولار، مع صعوبة خفض الأنفاق بسبب ضغوط سياسية وإجتماعية عدة.
كريستالينا جورجييغا، مدير عام صندوق النقد الدولي، قالت “اننا نمر بأسوأ ركود في زمن السلم منذ الكساد الكبير “كاشفة عن إنكماش الإقتصاد العالمي خلال العام 2020 بنسبة 4.3%، معربة عن تخوفها من “عدم تكافؤ فرص التعافي بين الدول” بما يؤدي إلى إنحرافات كبرى في الإقتصاد العالمي.
أصاب بيل غيتس في توقعاته حول جائحة كورونا، وهو بالتأكيد سيصيب مرة أخرى فيما أشرنا إليه أعلاه. مع تأكيدنا، على وجود مجموعة من التحديات ستواجه العالم خلال الأعوام المقبلة.
- البيئة: القضايا البيئية، مثل التغير المناخي والاحتباس الحراري، تشكّل عنواناً أساسياً في سياق الاتجاهات الهامة للعقود المقبلة. يؤثر المناخ ويستمر في التأثير في طريقة تفكير الحكومات والشركات والأفراد وتصرفها. انه مصدر قلق حالي ومستقبلي، يزداد الإهتمام به كلما تعرض العالم لأزمة قوية وتحوّل تهديداً للإنسان والإقتصاد… وهو في طريقه ليصبح واحداً من أبرز التحديات التي تتطلب مواجهتها تحولاً عميقاً في السلوك للتغلب عليها.
- الإتصال والتكنولوجيا، حيث تؤدي زيادة الإتصال الناتجة عن التكنولوجيا وإلغاء القيود وإنخفاض تكلفة السفر والهجرة…. إلى تغيير أنماط عيش الناس، وكيفية عملهم وتفكيرهم. تشير الأرقام إلى أن مليارًا من البشر متصلون حالياً بالإنترنت، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في أقل من عقد من الزمن؛ وهناك أيضاً 2.5 مليار إنسان يتحدثون مع بعضهم البعض عبر الهواتف المحمولة والرقم إلى إزدياد، ويعيش 13 في المئة من سكان العالم في مكان آخر غير البلد الذي ولدوا فيه.
- الروبوتات وتكنولوجيا النانو: من المرجح ان تصبح الآلات هي السمة الغالبة في المستقبل. وستصبح أجهزة الكمبيوتر في النهاية أكثر ذكاء من البشر، وعند هذه النقطة ستواجه البشرية نوعًا من المعضلة. واذا كانت الآلات أكثر ذكاء من صانعيها، فما الذي يمنعها من تولي زمام الأمور؟ هذا بالطبع يتطلب عنصرًا من الوعي الذاتي، لكن المستحيل ليس شيئا في المستقبل. الجانب الآخر المثير للاهتمام في هذه القضية هو تقارب الحوسبة مع الروبوتات وتكنولوجيا النانو، ما قد يؤدي إلى ظهور آلات ذاتية الاستبدال. أضف إلى ذلك إمكانية ليس تنزيل الذكاء البشري في آلة فقط، ولكن إضافة الوعي البشري أيضًا.
- الشيخوخة: في الولايات المتحدة الأمريكية يحتفل شخص واحد بعيد ميلاده الخمسين كل 8 ثوانٍ، ومع ذلك لا تزال الشركات تركز على الشباب. وفي اليابان، من المتوقع أن تزداد النسبة المئوية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عامًا بنسبة 36 % خلال العقد المقبل؛ والنسبة المئوية للزيادة في الضرائب المطلوبة للحفاظ على مستويات المزايا الحالية للجيل القادم هي أكبر من 175%. وتشمل الآثار المترتبة على هذا التحول الديموغرافي رفع الإنفاق على الأدوية التي وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية، إضافة إلى الاهتمام العام بقضايا مثل الرفاهية وسياحة وتخطيط الرعاية الصحية. كما سيتغير نوع الأمراض والجراحة التي سنشهدها في المستقبل. ولذلك من المتوقع أن نشهد ازديادًا في دورات البحث والتطوير التي يتم وضعها وراء مجالات مثل استعادة الذاكرة واستبدال أجزاء الجسم البالية.
- تحول القوة نحو الشرق: تتحول مراكز القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق. وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاکی في الصين إلى 2.2 تريليون دولار أمريکی بحلول عام 2025. وفي الوقت نفسه، تمتلك السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعمان استثمارات رأسمالية بقيمة تريليون دولار في صناعة النفط، وقد يتضاعف هذا المبلغ، أو يزيد ثلاثة أضعاف في العقد المقبل. النقطة هنا أن الأسواق الناشئة مثل الصين والهند لم تعد مجرد مصادر للعرض والطلب الرخيصين. هناك بشكل متزايد محاور عالمية لرؤوس الأموال وستصبح مراكز مهمة للابتكار الأولي.
وبالمثال، سنرى شركات من الصين والهند والشرق الأوسط تشتري الشركات الغربية والبنية التحتية، ويمكن أن يحدث الشيء نفسه مع شركات من روسيا والبرازيل والمكسيك وباكستان. وإحدى النتائج الأخرى للنمو في هذه المناطق هي أن الطلب على الموارد الطبيعية سيستمر في النمو، متجاوزًا العرض في كثير من الحالات. هذا بالطبع بافتراض أن هذه الدول لا تتخذ قرارًا يهوي باقتصادها، أو تدمر نفسها لأسباب اجتماعية وسياسية.
وكنا أشرنا في مقال سابق إلى هذا التحول وتأثيراته الجيو-سياسية والاقتصادية.
اللقاحات الجديدة ستضع حداً لوباء كورونا وتسمح بإستئناف عجلة النشاط الإقتصادي إضافة إلى برامج تحفيز في اقتصادات كبيرة، مما يعزز من توقعات النمو للعام الحالي_ وقد دفع التفاؤل بصندوق النقد الدولي للإشارة إلى 5.5 في المئة كنسبة نمو متوقعة_ لكن التحديات كبيرة والتحوّط للمستقبل ومفاجآته ضرورة قصوى وغاية نبيلة يجب العمل عليها في إنتظار جائحة ما.