انشاء تنظيم مجتمع مدني بدل شرذمة الاحزاب بات ملحا!!
*الإجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في إسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات إسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي*
نبيل عودة
أن الإجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في إسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات إسرائيل تقوم (او ستقوم) بزيادة المصادر المالية للوسط العربي، والنشاط الحزبي لم يعد قادرا على احداث ضغط اجتماعي واسع لإحداث تغيير. من هنا رؤيتي ان العمل لإقامة تنظيم مجتمع مدني يشمل كل مركبات المجتمع هو الطريق لإحداث تحول يفرض على السلطة إعادة تقييم نهجها، والتعامل مع الأقلية العربية بأساليب أصبحت تسود كل الدول التي تسكنها أقليات قومية وعلى راسها كنموذج بلجيكا، سويسرا وكندا وحتى بريطانيا بعد الوصول لاتفاق مع الأقلية الايرلندية أوقفت النزاع المسلح.
رؤية أولية: ما هو واقع الجماهير العربية في إسرائيل وهل تؤدي التنظيمات الحزبية القائمة اليوم الدور المرجو منها؟
لا اتجاهل التاريخ النضالي لأي حزب سياسي، ولكن رؤيتي ان الأحزاب أضحت اليوم تنظيمات مغلقة على افراد وقيادات ، مع الاحترام لها، الا انها لا تشكل الا نهجا يطرح مكانة الأحزاب وقياداتها كقوة لا بديل عنها ، بينما عشرات الاف المثقفين ورجال الخبرات الواسعة بكل المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية، منعزلون عن أي نشاط لسبب بسيط، ان التنظيمات الحزبية لم تعد قادرة على استيعاب النهضة الفكرية والعلمية والمعرفية التي تجاوزت كل المناهج الحزبية والفكرية ، طرحا وقدرات على التعامل بأساليب لا تلوثها السياسات السائدة من بقايا القرن التاسع عشر والقرن العشرين. التي أضحت ملعبا مختصرا على مجموعات لا تشكل النخبة المختارة في مجتمعها، مع احترامنا لنضالهم. لكن هذا الشكل يفلس تدريجيا وبسرعة متزايدة، اجتماعيا وتنظيميا وسياسيا وفكريا.
يجب ان نلاحظ مسالة هامة، ان الهدف من انشاء أحزاب له هدف واحد: الوصول للبرلمانات او لإدارة السلطة اذا امكن، بينما يجري تحييد النشاطات السياسية والاجتماعية غير البرلمانية، واذا حدثت، لا تكون بالمستوى المؤثر والمجند والضاغط على متخذي القرارات !!
ولا بد من ملاحظة هامة: ان الحياة الحزبية في الوسط العربي (وعموما في الوسط اليهودي أيضا، وعلى مستوى كل دول العالم) تعاني من خلل جاد أفقد الأحزاب مكانتها التاريخية التقليدية.
عمليا لم يعد هناك تبرير فكري للحفاظ على تنظيمات سياسية تجاوزها التاريخ. والحقبة التي شهدت انطلاق الحركات السياسية عبر التنظيمات الحزبية، تلاشت منذ أواسط القرن العشرين.
نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج إلى إستراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها وليس كحزب فقط. حان الوقت لطرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى رأسها سياسة الأراضي والتخطيط (ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع إسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها)، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الاجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير، العمل، إقامة مناطق صناعية متطورة وليست معزولة عن النشاط الاقتصادي للدولة (وبات ملحا اقامة تنظيم اقتصادي للتنسيق بين رجال الأعمال العرب)، التصنيع في المجتمع العربي، تشريع القوانين التي يتخذ بعضها لصالح الأغلبية بمضمون عنصري أو متستر.
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا أرى ان الواقع تغير رغم تقرير “لجنة اور” التي بحثت وحققت بموضوع الانتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة، لم ينفذ منها شيء ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها.
حتى لجنة المتابعة فقدت بوصلتها وأضحت لجنة حزبية للثرثرة. عمقت التشرذم ولم تخدم القضايا الملحة للجماهير العربية، ولم تقم بإعداد أي برنامج واضح وقادر على جمع الصف العربي مطلبيا من اجل حقوق مواطنة أساسية. وارى ان لجنة المتابعة أضحت لجنة لشخص من اجل رفع مكانته الشخصية. ولو راجعنا نشاط هذه الهيئة لما وجدنا الا السلبيات. مجرد نهج العداء لأوساط لا تعجب ادارتها، هو سبب كاف لإنهاء دورها، والعمل على إيجاد وسيلة جديدة وعقلانية توحد ولا تفرق.
هناك أيضا تقرير أكاديمي أكثر أهمية من تقرير “لجنة اور” قُدم أيضا على أثر انتفاضة العام 2000 إلى رئيس الحكومة في وقته ايهود براك، أعده باحثين جامعيين يهودا وعربا من المستوى الأول في إسرائيل، تحت عنوان “بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة بخصوص العرب في إسرائيل” طرحوا في تقريرهم دراسة علمية مفصلة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي واقتراح الحلول. هذا التقرير الأكاديمي (يبدو ان من قرأه من العرب اقل من أصابع اليد الواحدة واعتقد جازما ان نوابنا لم يسمعوا به – نبيل) يصح ليكون مستندا سياسيا علميا لسياسة عربية تواجه المؤسسة العنصرية للسلطة في إسرائيل لا تعتمد على “ادعاءات عربية” بل على توثيق طرحه أكاديميون يهود وعرب من ذوي الأسماء الأبرز في إسرائيل، ولن يدعي عندها أي موبوء بالعنصرية والعداء للجماهير العربية انه موقف عربي هدام وسلبي.
اسجل هنا مسألة جوهرية أكدها التقرير أيضا، أن الإجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في إسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات إسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي. المطلوب تغيير جوهري يطرح فيه من جديد تعريف للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بخصوص المواطنين العرب. هذا يعني ملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات ونشاطات المؤسسة الحاكمة في التعامل مع العرب في إسرائيل. وفي نهج المساواة في الخدمات.
اوافق ان واقعنا السياسي ليس واقعا طبيعيا. لكن السياسة ليست كل الحكاية. الى جانب ذلك نحن مجتمع مدني. من المفروض ان لنا حقوقا مدنية، حقوق مواطنين، حقوق إنسان، حقوق بالتطور، حقوق بالميزانيات، حقوق بالتعلم وتطوير مرافق التعليم، حقوق بتوسع مسطحات بلداتنا التي صودرت أراضيها وتمنح بلا حساب للبلدات اليهودية، حقوق بمناطق صناعية لا تبقي بلداتنا فنادق للنوم للعمال الذين يعملون في الصناعة والخدمات والمشاريع في المدن اليهودية، حقوق في السكن وتطوير البنى التحتية، حقوق في العمل وليس اتساع البطالة بشكل يتجاوز عدة أضعاف لواقع البطالة في المجتمع اليهودي. هناك تمييز في المجال القضائي أيضا. هناك استبعادنا من الوظائف الحكومية رغم كل وعود السلطة بالتمييز لصالح العرب، هناك حقوق طبية، لم يبن أي مستشفى حكومي في الوسط العربي، والمستشفيات العربية هي مستشفيات إرساليات مسيحية تعاني من تمييز كبير أيضا. أقيمت جامعة إسرائيلية استيطانية في المناطق المحتلة خصصت لها الملايين بلا حساب، رغم اعتراض الجهاز الأكاديمي وتحذيره من ردود الفعل الدولية على إقامة جامعة في المناطق المحتلة، بينما مشروع جامعة عربية في الناصرة او غيرها لا يحظى بأي دعم وتقام العراقيل أمامه.
يطرحون الواجبات مقابل الخدمات. الحقوق المتساوية هي الوجه الآخر للواجبات. لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية، هذا من جذور النظام الديمقراطي، لكنه غائب، أو مغيب من الوسط العربي، الحقوق تسبق أي شرط يطرح لتبرير عدم المساواة.
اذا كان التفكير فقط هو الوصول إلى الكنيست فلا أرى أي آفاق لمثل هذا التنظيم.
لا بد لتنظيم سياسي جديد ان يعمل على تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الاقتصادي، الثقافي، التعليمي، القانوني، مكاننا كأقلية قومية، علاقاتنا بشعبنا الفلسطيني، طرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.
بالطبع لست واهما ولا انتظر عجائب سياسية من المؤسسة التي بتنا نعرف تفكيرها ونهجها. ما اعرفه أننا نملك حقائق يجب ان نطرحها أمام الجمهور الإسرائيلي وأمام الرأي العام الدولي.
مثلا ما هو تعريف المواطن في إسرائيل؟ هل هو التعريف العنصري الذي استثني المواطنين العرب من صفة المواطنين حسب قانون القومية العنصري؟ من هو الإسرائيلي حسب مفاهيم المؤسسة الحاكمة؟ هذا يفترض إعادة صياغة وثيقة جديدة حول الحقوق والواجبات المتبادلة بشكل متزن ودون تفضيل طرف على حساب طرف آخر على أساس عنصري.
إسرائيل تصف نفسها دولة يهودية صهيونية. واخرجوا العرب بقانون القومية العنصري من صفتهم كمواطنين متساوي الحقوق. العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها. إذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة أمام 20% من مواطنيها. هذا جزء من الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، رفضه هو نفي للحقوق، لا واجبات بدون حقوق. حتى توصيات اللجان التي تقيمها الحكومة وقرارات حكومية لا تنفذ والدولة بتعريف هويتها لا تشملهم، بل تنقلهم إلى وضع مواطنين غير قانونيين إلى حد ما، ولا تعترف بالأقلية العربية كأقلية قومية، بل مجرد طوائف مسلمين ومسيحيين وبدو ودروز.
ما اطرحه في هذه المداخلة هي رؤوس أقلام (عناوين) تحتاج إلى صياغة علمية تتعامل مع وقعنا المركب.
لم أتناول موضوع فكرة الحزب كقيمة تنظيمية، ولكني اود ان أسجل ملاحظة، ان أيديولوجية إنشاء الأحزاب تتهاوي تدريجيا وأكاد أقول انها تعاني من سكرات الموت في المجتمعات المتقدمة، حيث تحل مكانها صيغة تنظيمات المجتمع المدني. والتفسير لهذه الظاهرة هو كون الأحزاب نشأت على قاعدة فكرية كتنظيمات طبقية يمثل كل حزب مجموعة طبقية معينة، لكن تطور المجتمعات البشرية قادنا بعيدا جدا عن تلك الأفكار والمناهج من القرن التاسع عشر. الفكر الطبقي يعاني من ضمور نتيجة التطورات في مضمون النظام الرأسمالي بحث بات من الصعب ان نحلله حسب مفاهيم طبقية من القرن التاسع عشر. نحن الآن في مجتمع ما بعد النظام الرأسمالي وهذا يقتضي إعادة تفكير جادة من طرح تنظيم حزبي يمثل شريحة اجتماعية ما، أو تنظيم مجتمع مدني يشمل كل الفئات الاجتماعية.